بالأرقام.. حاجة الأسرة السورية 90 ألف ليرة سورية شهرياً بالحدود الدنيا

لا يخفى على أحد أن الأسواق تعيش حالة من لهيب الأسعار باعتراف الحكومة، حتى باتت تختلف من ساعة إلى أخرى، وخاصة أسعار السلع الغذائية المستوردة من معلبات وزيوت وسمون وأرز وسكر وغيرها، حتى طال ارتفاع الأسعار علبة الكبريت والشمعة، وذلك بحجة ارتفاع سعر الصرف وارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف النقل وقائمة طويلة من الأسباب يسردها لك أي بائع، سواء أكان بائع مفرّق أو جملة، وبالطبع النتيجة التي تصل إليها أن المستهلك هو من يتحمل تكاليف ارتفاع الأسعار، حتى بات يعد للألف قبل أن يشتري أي شيء واضعاً نصب عينيه دخله ومدى قدرته على الصمود لنهاية الشهر، هذا إن كان موظفاً، فكيف الحال بالعاطل عن العمل؟

القدرة الشرائية أصبحت ضعيفة للغاية وفق مراقبين، والأسعار ترتفع يوماً بعد يوم وبنسب غير منطقية، فمثلاً القهوة ارتفعت بحدود 50 ليرة للأوقية، وارتفع سعر علبة المتة بنحو 75 ليرة، وسعر الزيت بحدود 90 ليرة لليتر، وأسعار الملح والسكر والأرز والسمون بنسب مختلفة، والفروج واللحوم ترتفع أسعارها فبات سعر كيلو لحم العواس بحدود 3 آلاف ليرة وربما يزيد، وهذه مستويات جديدة تسجلها الأسعار في أسواقنا منذ بدء الأزمة في سورية، وهنا سنطرح سؤالاً: كم تحتاج الأسرة من دخل لتستطيع تغطية تكاليف معيشها كحد أدنى؟

هذا السؤال توجهنا به إلى الخبير الاقتصادي الدكتور نضال طالب، الذي أوضح في تصريحه لـ(النور)، أنه في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية في السوق السورية تعتبر الظروف المعيشية التي يمرّ بها المواطن السوري الأكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن مكونات السلة الاستهلاكية هي مجموعة من الحاجات المعيشية الضرورية من سلع وخدمات، وتختلف أوزان هذه الحاجات بحسب مستوى تأثيرها وباختلاف ظروف وعادات كل مجتمع، ولفت إلى أن هذه الحاجات مصنفة دولياً ضمن 13 مكون أهمها: المواد الغذائية والمشروبات- السكن والوقود والإضاءة- الملابس والأحذية- الصحة - الاتصالات- النقل- التعليم - التبغ - سلع وخدمات أخرى.

وأضاف طالب: بالنسبة للمكون الأول وهو الأغذية والمشروبات، فوفق التصنيف العالمي للحاجات الغذائية والسعرات الحرارية اللازمة لحياة الفرد يومياً، والتي تعتمد على عدّة عوامل منها السنّ وحجم الجسم والطول والجنس ونمط الحياة والحالة الصحية ككلّ، والمقدرة وسطياً بنحو 2400 حريرة يومياً، فإننا سندرس حاجات الإنسان الغذائية يومياً (الجدول1).

وقال طالب: (إذاً نحتاج مبلغ 313 ليرة سورية يومياً لكي نحقق تغذية سليمة للفرد وفقاً للتصنيف العالمي، مع الإشارة إلى أنه لم تؤخذ بعين الاعتبار في الحسابات أعلاه أي حاجات ترفيهية، فعلى سبيل المثال لم نتطرق للإنفاق على الخبز السياحي مثلاً، كما أن سعر الخبز المذكور هو للسعر الرسمي وليس لسعر السوق السوداء، واللحوم هي لأسعار وسطية بين الفروج ولحم العجل ولم نتطرق للحم الغنم، وبذلك تكون الحاجة شهرياً للفرد الواحد 9390 ليرة سورية، ولأسرة مكونة من خمسة أشخاص تحتاج إلى 46950 ليرة سورية شهرياً، وإذا ما أضفنا قيمة مشروبات  3390  ليرة سورية ثمن كيلو شاي وكيلو من البن وأربعة كيلو من السكر، تصبح قيمة الإنفاق شهرياً على الأغذية والمشروبات اللازمة لأسرة مكونة من خمسة أشخاص هي 50340 ليرة سورية، ولم يؤخذ بالحسبان الإنفاق على مشروبات غازية أو غيره، حتى لم يؤخذ بالحسبان اضطرار بعض العائلات لشراء المياه في بعض الأماكن.

المكون الثاني: السكن

المكون الثاني في سلة الاستهلاك هو مكون مركب من السكن أو الإيجار، ويقدر وسطي الإيجار لشقة مفروشة مؤلفة من غرفتين وصالون في مناطق السكن العشوائي بنحو 25 ألف ليرة سورية، وفي حال تملك المنزل وعدم دفع إيجار، فإن ذلك لا يعني عدم ترتب إنفاق، وإنما هناك قيمة عقار مجمدة وهي ذات قيمة مالية مدفوعة من مدخرات الأسرة.

المكون الثالث: النقل والمواصلات

ارتفعت أجور النقل الجماعي بالمتوسط من 10 ليرات سورية لخط السير الواحد في عام 2010 إلى 35-40  ليرة سورية حالياً أي بنسبة 400 %، وإذا ما افترضنا أن أسرة مكونة من خمسة أشخاص، يتحرك ثلاثة منهم فقط للعمل والدراسة يومياً. وبتكلفة مواصلات 80 ليرة سورية يومياً للفرد، تكون تكاليف النقل شهرياً لكامل الأسرة نحو 6240 ليرة سورية، وحديثنا هو عن وسائل النقل الجماعي، ولم نتطرق لحاجات استخدام سيارات الأجرة الخاصة، كما أننا لم نتطرق لتكلفة انتقال جماعي خارج مراكز المدن، أي بين الريف والمدينة، والتي يمكن أن تصل أحياناً لـ 400 ليرة سورية يومياً للفرد الواحد، وكذلك لم نتطرق لحالات استخدام الفرد لأكثر من خط سير في اليوم الواحد.

المكون الرابع: الصحة

تنفق العائلات السورية سنوياً نحو 70 مليار ليرة سورية على الرعاية الصحية من دخلها الخاص، إضافة إلى ما تنفقه الحكومة من موازناتها السنوية، والبالغ نحو 63 مليار ليرة سورية، وذلك وفقاً لدراسة الإنفاق الأسري التي أنجزت عام 2010 بالتعاون بين وزارة الصحة وجامعة دمشق والاتحاد الأوربي، وبالتالي يكون متوسط إنفاق الفرد سنوياً على الرعاية الصحية من دخله الخاص نحو 3043 ليرة سورية، ويساوي شهرياً 254 ليرة سورية، وبالطبع بحسب بيانات عام 2010 أي قبل تأثر قطاع الرعاية الصحية بالتضخم أيضاً، يكون إنفاق الأسرة المكونة من خمسة أشخاص شهرياً بشكل تقديري نحو 1270 ليرة سورية، وهنا لم يتم التطرق للحالات الصحية الطارئة من عمليات جراحية وحالات تستدعي دخول المشافي أو عمليات الولادة وغيرها، لأن عملية جراحية بسيطة أو عملية ولادة طبيعية تستدعي إنفاق ما يزيد عن 50 ألف ليرة سورية بالحدود الدنيا.

المكون الخامس: التعليم

وفق إحصائيات مؤكدة فإن تجهيز أسرة لديها ثلاثة طلاب في المراحل المدرسية المختلفة يحتاج إلى 20 ألف ليرة سورية بالحد الأدنى، وبالتالي فإن توزيعه على الأشهر يبلغ 1660 ليرة سورية. وحديثنا هو عن التعليم ما قبل الجامعي، ولم نتطرق لاحتساب تكلفة التعليم الجامعي، حيث تشكل تكلفة شراء الكتب والمحاضرات جزءاً من تكاليفها فقط، وتقدر بالحد الوسطي لطالب جامعي لديه 12 مقرر بنحو 12 ألف ليرة سورية خلال السنة مع تكلفة القرطاسية، لتصل تكلفة طالب التعليم العالي الواحد في الأسرة إلى 1000 ليرة سورية شهرياً بالحد الأدنى، لأغراض الدراسة فقط وبعيداً عن الرسوم وارتفاعاتها المستمرة.

المكون السادس: الملبس

يلاحظ جلياً في أسواق الملابس ارتفاع فاحش في الأسعار لارتباطها بالقطاع الإنتاجي الوطني المتعثر نتيجة الأزمة من جهة، ولعلاقتها بسعر القطع الأجنبي اللازم لاستيراد الملابس ومستلزماتها من جهة أخرى، وإذا ما افترضنا أن الفرد بحاجة لكسوة صيفية وأخرى شتوية وعلى مدار عامين وليس لعام واحد نتيجة الوضع الحالي، نجد بأن إنفاق الفرد على كلا الكسوتين لسنتين بالمتوسط 15000 ليرة سورية أي  7500  ليرة سنوياً، ونحو 625 ليرة سورية شهرياً، ويكون إنفاق الأسرة شهرياً حوالي 3125 ليرة سورية.

المكون السابع: الكهرباء والماء والخدمات الأخرى

جرى رفع أسعار الكهرباء والماء رسمياً مؤخراً الأمر الذي سينعكس أيضاً على النفقات، ونفترض في هذا الإطار تقديرياً إنفاق الأسرة شهرياً على الكهرباء والماء والهاتف بنحو 2000 ليرة سورية.

وبالنتيجة وبالاستناد إلى التصنيف العالمي للإنفاق، وبالاكتفاء بالمكونات الأساسية المذكورة آنفاً دون الخوض بالإنفاق على الخدمات الأخرى مثل (الحاجة لدعوة الأقارب لمائدة غداء - الخروج لزيارات الأقارب والأصدقاء والحاجة لاستخدام سيارة أجرة - التسالي ودخول الأماكن الترفيهية) نجد بأن الحد الأدنى اللازم لمعيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد (الجدول2).

الفجوة بين الحد الأدنى للأجور المعمول به في سورية البالغ  13675 ليرة سورية إضافة إلى المبلغ المضاف مؤخراً لتحسين مستوى المعيشة البالغ 4000 ليرة سورية، أي بإجمالي حد أدنى للدخل  17675 ليرة سورية، وبين الحد الأدنى اللازم للمعيشة  89635 ليرة سورية كما ورد آنفاً هي  71960 ليرة سورية، وهذه الفجوة لم تتطرق لأمور كثيرة منها تكاليف الدراسة الجامعية، والإنفاق على التبغ والسجائر والإنفاق الطارئ على شراء أثاث أو إصلاح تجهيزات أو طلاء منزل، كما أن تزويج الأسرة لأحد أفرادها غير مطروح بالمطلق لمن هم ضمن الشريحة المذكورة أعلاه.

يقول الأستاذ طالب: للعمل على تقليص هذه الفجوة الفاصلة بين الحد الأدنى للرواتب والحد الأدنى اللازم للمعيشة، من الضروري اعتماد مسارين متوازيين وفق برنامج زمني يمكن أن يمتد لعدة سنوات، فمن جهة يجري العمل على رفع القدرة الشرائية للعملة المحلية، وتخفيض معدلات التضخم إلى أدنى حد ممكن لتتقلص الفجوة التي ذكرناها إلى ما يعادل تقريباً  30 ألف ليرة سورية، ومن جهة أخرى يجب رفع الحد الأدنى للرواتب إلى ما يقارب الفجوة الجديدة بعد خفض معدلات التضخم، ويجب أن تكون عملية رفع الرواتب حقيقية وليست وهمية، ويمكن أن تتحقق من خلال تأمين موارد إضافية للخزينة العامة للدولة تموّل زيادة الرواتب عن طريق تحصيل موارد الفساد التي تصل حسب أرقام ما قبل الأزمة إلى  12%  من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وكذلك عن طريق زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال زيادة إنتاجية القطاعات الاقتصادية التي هي وحدها القادرة على تحقيق استقرار معيشي ومالي.

وختم طالب: بذلك يكون المأمول تحقيق هدفين أساسيين، الأول نقدي يستوجب إتباع سياسة نقدية رشيدة وقادرة على خفض معدلات التضخم، والثاني مكافحة الفساد وتحريك عجلة الإنتاج برفع إنتاجية قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها.


المصدر جريدة الدنور- بقلم وسيم وليد إبراهيم